في خضم التجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية في الفترة الأخيرة وما صاحبها من تفكير في مصير هذا البلد وهو تفكير يلامس في بعض الأحيان المصلحة العامة ولكنه مع الأسف يقتصر علي المصلحة الخاصة في أحايين كثيرة، إذ يريد أصحابها تفصيل كل شيء في هذا البلد على مقاسهم الخاص ومن أجل ذلك يطعنون في كل شيء، ويتجاسرون أيما تجاسر، فلا محظور في بلدنا والكل مستباح، وسائل التعبير متاحة والانتهازيون موجودون، إعلامنا حر... حر ولله الحمد وهي حرية لا حدود لها حتي أنه في سبيل حريته يهون الوطن ومقدساته...
لكننا تناسينا عن قصد "و نتمنى أن يكون عن غير قصد" معضلة القرن الواحد والعشرين التي تؤرق الشعوب والأمم في كافة أرجاء المعمورة لدرجة رصد الميزانيات وتعبئة الجيوش الجرارة والوسائل المختلفة... إنه الأمن أرخص موجود وأغلى مفقود كالماء والهواء تماما، ذلك الأمن الغائب في بعض بلدان المنطقة والعالم، في خضم هذه التجاذبات أقول إنه يطيب لنا أن نتذكر حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الأمن والأمان حديث يقول (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافي في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، فهذه الأمور وعلى رأسها الأمن في الأوطان والأمن في البيت هي مفتاح السعادة وكأنك عندما تملكها تملك الدنيا كلها.
ولكننا في موريتانيا وفي السنوات الأخيرة استطعنا أن نخلق مقاربة أمنية عز نظيرها في المنطقة علي أسس متينة وأساليب مدروسة ورعاية خاصة في جو محفوف بالمخاطر الإقليمية وشبه الإقليمية لا تعرف الهدوء إلا لتتوتر من جديد ساهمنا في حلها لكيلا تصلنا وأمنا حدودنا برجالنا البررة وقد قامت هذه المقاربة على مبدئي الحرية الجماعية والفردية وترسيخ العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والفساد وغير ذلك من العوائق الاجتماعية التي تعد أكبر بيئة حاضنة للإرهاب، فضلا عن الجهود الجبارة لبناء دولة قوية بمؤسساتها الدستورية وأجهزتها الأمنية وقواتها العسكرية.
ومما يندي له الجبين أنه في مثل هذه الأجواء نجد في بلدنا من يحاول خلق التوترات ويركب ما أتيح له من موجاتها على حساب الوطن ورموزه والشعب ومكوناته وحتى العقيدة والدين همه الوحيد الحصول علي مصلحة آنية أو وطر زائل، غير آبه بما قد ينجر عن ذلك من اضطرابات تندلع لتحرق الجميع دون تمييز بين من أشعلها ومن يستهدف بها، تأتي على الأخضر قبل اليابس، والمسافر قبل المقيم، تهدم كلما بني في مئات السنين ويبنى في حاضر الأمم.
إن العالم اليوم يحترق من شرقه الي غربه لا ينعم فيه الفرد بقوت يومه ولا هو آمن في سربه، أحرى الأوجاع في البدن المتهالك، تتقاذفه [في أحسن الأحوال] أمواج البحار في مراكب مطاطية ينتهي به المطاف غالبا رقما في سجلات خفر السواحل في الضفة الأخرى، أوطان متناثرة أهلها مشردون في كل مكان، دول أصبحت أثرا بعد عين، تراقبها ثلة قليلة تنعم بالأمن تعيشه بكل تفاصيله تتفرج علي الشاشات التي تبث الدم والتفجير والمفخخات والقتل والدمار والويلات... تحمد الله المئات وتسبحه الآلاف.
إن بلدنا يسير على طريق التنمية بخطى قد تكون بطيئة لا كنها ثابتة، ينعم فيه الفرد بالحرية والطمأنينة يرى نصف الكأس الممتلئ، لا يهمه من يرى النصف الفارغ والذي لو أمعن النظر لبصْر... وشمر عن ساعد الجد ليساهم في بناء وطنه لاحبا في أحد لكن حبا في الوطن الذي حبه من الإيمان.
إن بلدنا في حاجة إلى الاستقرار والأمن أكثر من حاجته إلى الحروب والفتن والتجاذبات والمحن.
نحن بحاجة إلى بلد يشار إليه في المنطقة، كقطب جذب سياحي، ينعم فيه المواطن والمقيم بالأمن والرخاء، منطقة استثمارية بامتياز لا يجبن فيها رأس المال ولا يخاف صاحبه، لا منطقة حمراء يتناذرها السواح والمستثمرون.
إن الأمن يخلق الاقتصاد والزراعة، يخلق فرص العمل والإنتاج، يؤمن حركة السوق وانسياب الصرف، يجلب العائد الوفير لممارسي المهن الحرة بل والعاملين في جميع المجالات...
إن ثقافة الأمن والاستقرار تحتاج الي بيئة خاصة، وشعب واع بأهميتها، ومؤسسات تربوية وإعلامية متجهة لها، وأجهزة أمنية وعسكرية حامية لها، بعيدا عن التجاذبات السياسية والأطر الضيقة والمصالح الذاتية.
إن بعض السياسيين في بلدنا يفكر بمنطق [إما انا وإما الطوفان] يستنهضون همم التدمير ويستحثون النعرات الضيقة... همهم الوحيد إرضاء الغرب لحاجة في نفوسهم حتى لا أقول في نفس يعقوب يحجزون مقاعدهم في أول رحلة مغادرة عندما يستشعر الوطن خطرا فلجوئهم الأمني حتى لا أقول السياسي مضمون... لأنهم وبكل بساطة أتقنوا أدوارهم...
إن بعض الدول العريقة لاحظت أن منظومتها الأمنية تنهار وجدارها الدفاعي يتصدع عندما أمسك دفة الحكم فيها من يحتاج الوقت ليتأقلم من يستشير الآخر لأمنه وأمن وطنه من يجهل طريقة أمن نفسه أحرى بلد بالكامل ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال... فكان لزاما على أبنائها البررة أن يأخذوا زمام المبادرة ليؤمنوا أوطانهم ويوفروا الاستقرار فيها... فعلينا نحن أن نأخذ العبرة ونبدأ من حيث انتهى الآخرون...
فأي رئيس جديد لبلدنا في هذه الظرفية الخاصة سيحتاج في أحسن الأحوال إلى فترة سنة أو ستة أشهر على الأقل ليعرف من أين يبدأ أو على الأصح يبدأ له... فهل ستنتظر كل المخاطر السالفة الذكر والمحدقة ببلدنا أي مدة زمنية لنكون جاهزين جاهزيتنا الآن...
ويتعزز هذا بالنظر إلى الخبرة الكبيرة والمتراكمة في السنوات الأخيرة في المجال الأمني والاقتصادي وكذلك الدبلوماسي التي اتسمت بها بلادنا في هذه الفترة.
أم أن التخبط العشوائي سيظل سيد الموقف والارتجالية تفرض نفسها والتدهور الأمني يسود ودوامة جديدة تبدأ لتذكرنا بسنة 2008.
إن المواطن البسيط يريد الأمن والاستقرار كذا المزارع وصاحب الحانوت والعربة والصياد والسباك... وغيرهم... فهل في السياسيين من مجيب...
وفي المقابل جعل الله نقص الأمن عقوبة لمن كفر بنعمته، قال تعالي {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون} النحل 112_113.
انظر كيف قرن الله جل جلاله بين الأمن والازدهار.
والجميع متفق معي أن الرئيس الحالي لا بديل عنه... حفظ الله بلدنا وجنبه كل مكروه.