تطبيق الشريعة لا تشويهها

أربعاء, 2016-11-16 16:31

أعادت جلسة محاكمة المسيء محمد الشيخ ولد امخيطير الحديث عن تطبيق الحد عليه، حيث طالب كثيرون بإنزال أقسا العقوبات عليه، بينما حذر بعض آخر من الظلم بالحكم عليه إعداما.

 

لا شك أن إجراءات المحاكمة ينبغي أن تظل مستقلة، بعيدة عن التأثير، خصوصا مع سلطة قضائية يفترض فيها الاستقلال، ومكتملة الأركان، من دفاع وغيره.

 

ومما لا شك فيه أن غضب الشارع على من تطاول ـ يائسا، بائسا ـ على الجناب المطهر في محله، وعلى الجميع أن يطالب بإعدام المتطاول.

 

الدم المهدور

 

أي إنسان تطاول على جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج أسدا (وما المانع أن يكون رجلا أسدا للشريعة) مثل ذلك الذي تعرض لعتبة ابن أبي لهب وهو في الشام، بعد أن عزم على إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم، ليأتيه ويعبر عن كفره.

 

والمتتبع لقصص التاريخ الإسلامي يجدها مليئة بالثأر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن الحبيب نفسه أسس لذلك شرعا، حيث قال "من لي من لكعب بن الأشرف، فإنه آذى الله ورسوله؟!"، وتعهد الصحابي الجليل محمد ابن مسلمة بتولي المهمة النبيلة.

 

قد يقول قائل إن كعبا يهودي، ولا ينطبق عليه ما ينطبق على غيره، لكن قائل هذا يغفل حقيقة أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم، واتهامه بعدم العدل كفر بواح، حيث هو تكذيب للقرآن، والسنة، ومروق على إجماع الأمة، وانتهاك لمقدس.

 

ومن العلماء من قال إن أي مسلم (لا يعني السلطان) ظفر برأس سابِّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلما كان أو كافرا، وجب عليه قتله، مستدلين بنصوص منها "والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم"، و"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهين"، وعذاب الدنيا منه القتل "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم".

 

فالمسيء يستحق القتل، سواء أكان قاتلَه حاكما، أم مسلما عاديا..

 

الشريعة متكاملة

 

من ناحية الحاكم فإن من أنكرِ المنكرات استخدام الشريعة لأغراض سياسية، وجعلها ورقة ضغط إذا أراد الحاكم، وبضاعة تجارية يروجها إذا أراد ذلك.

 

في الحديث "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم  الغني تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه"، وهذا هو التعامل مع الشريعة بمزاجية.

 

إذا حكم على المسيء بالإعدام فليس من الوارد الحديث عن تطبيقه، فالسلطات التنفيذية عندنا تتحكم فيها معادلات خارجية، تنظر إليها أكثر من نظرها للواجب الشرعي، بل إن الموازنات الداخلية، التافهة ترمي بالأحكام القضائية في مرامي الزبالة!

 

حضور غربيين لجلسة المحاكمة ليس مبشرا على مجراها، ورغم ذلك فإن الإعدام إذا حُكم به على المسيء ونفذ، يجب النظر إليه من ناحيتين:

 

-       تنفيذ حكم شرعي على صاحب جرم استحق القتل، والأهم في قضيته أن يقتل، وليس من قتل، فالمقصد هنا للسلم أن يُردع مرتكب مثل هذا الجرم.

-       سلطة تنفيذية تستهزئ بالأحكام الشرعية، وتنفذ ما جلب لها سمعة دنيوية، إذ اللصوص يمرحون ويسرحون في شوارعنا، بعد أن عفا عنهم رأس السلطات الحاكمة، ولعمري إنه يتحمل كل جرم ارتكبوه ضد أبناء هذا الشعب.

 

نحو تطبيق لا تشويه

 

إذا أراد النظام ـ بجدية ـ أن يجمع عليه أبناء الشعب، فليعلن تطبيقا شاملا للشريعة، فهي وحدة متكاملة، لا تقبل أن يُؤْمَن ببعضها ويكفَر ببعض، إذ ذلك نوع من الظلم.

 

ليست الشريعة بالبساطة التي يقفز عليها غر في لحظة حماس، ليأخذ منها ما احتاجه ويترك غير ذاك، فإنما ذلك شأن صنم عمر، الذي يعبده، وإذا جاع أكل منه!

 

حري بالجموع التي تتظاهر مطالبة بإعدام المسيء ـ وحق لها ذلك ـ أن تطالب بتنفيذ الشريعة كلها، وتطبيق حدودها، ومراعاة أحكامها، بدل المتاجرة بها في المواسم.