صيحات الخطر .. في فيْءِ العمال ! / محمد لمين ولد سيدي مولود

خميس, 2017-09-07 23:45

تبدو موريتانيا مقبلة على مرحلة خطيرة ـ بل دخلتها فعلا ـ نتيجة زيادة الهوة بين الثلة الممسكة بالمال والسلطة والامتيازات الاجتماعية والثقافية العالية، وبين أمواج البائسين الجوعى الذين لا يملكون قوت يومهم، وتزيد المعاناة وعيَهم يوما بعد يوم بضرورة الرفض كيفما كان ومهما كلفَ.

ولقد جاءت أحداث مدينة ازويرات أمس مجسدة لما يمكن أن يصل إليه الصراع الطبقي (بالمفهوم المادي هنا ولو تداخل مع مفاهيم أخرى) المتصاعد بين ديناصورات لا تشبع وبين فقراء تخلق الحاجة عندهم من الضغط ما يكسر قيود الذل والصبر وحتى الحكمة والانتظار! لقد كانت في اكتساح عمال "الجرنالية" لمكاتب الولاية وحرقها وتحطيمها، ثم تدمير المحطة الإذاعية الجهوية رسالة واضحة تبين مدى عمق حفر رموز الظلم وآلياته في أذهان المظلومين، وإلا فلماذا لا يتوجه المتظاهرون إلى اسنيم أو إلى الشركات السمسارة مصدر شقائهم المباشر؟ لكن ادراكهم أن الإدارة غير حيادية ـ أحرى أن تكون حَكَمًا منصفا ـ وأن أذرعها الاعلامية والأمنية أشر وأشد من الشركات نفسها جعلهم يبدأون بمن يفترض أن يلجؤوا إليه. الشرخ البركاني  إن معاناة العمال ليست إلا جزء يسيرا من الشرخ الاجتماعي الذي يمثل بركانا يغلي وسينفجر قريبا، ما لم تحدث ثورة هائلة وسريعة في ذهنية السلطة وسلوكها اتجاه شرائح الفقراء في موريتانيا الذين يمثلون الأغلبية الساحقة جدا، وهذا أمر مستعبد في ظل حكم انقلابي فاسد يراهن على القوة والزبونية فعليا أكثر من مراهنته على الاصلاح وولاء الشعب.  ويزداد الأمر خطورة عند ملاحظة أن الشرائح الأكثر تضررا من الواقع البائس لأغلب الشعب الموريتاني تختزل إلى حد بعيد في شريحة واحدة وهو أمر يسهل إدراكه بمجرد النظر إلى مظاهرات الجرنالية أو الحمالة أو عمال البناء أو "بوزات" أو أصحاب عربات بيع الماء أو بائعات "ياي بوي" أو "باسي" على قارعة الطريق! ويأتي هذا الإختزال لأسباب من بينها أن هؤلاء يمثلون فعلا الأغلبية الساحقة من الفقراء نتيجة العوامل التاريخية والاجتماعية وحتى السياسية، كما أن الطبقات الأخرى يهيمن على ذهنيتها التماهي مع السلطات بوصفها الممثل الأعلى لمصالح مراكز القوى في هذه الشرائح (رجال الأعمال، شيوخ القبائل، قادة الجيش والأمن، كبار المسؤولين، ورموز الفساد: السابقون، والحاليون ـ السابقون، والحاليون الجدد). إن هذا الشرخ ـ البركان الإجتماعي الكبير يجسد خطورة أخرى حيث يأخذ يوما بعد يوم المسار الأفقي، أي بين الشرائح الإجتماعية التي تستغل السلطات أي هواجس من الصراع بينها من أجل استمرار الفساد وإبقاء الحال على حاله، بينما يفترض أصلا أن يكون الصراع عموديا أي بين الفقراء وضحايا الظلم من جميع الفئات والشرائح من جهة، والسلطات الفاسدة وأعوانها بمختلف تشكيلاتهم من جهة أخرى. أي بين الضحايا من جهة مهما تلونوا والجلادين من جهة مهما اختلفوا، لأن ذلك هو الضامن الوحيد لانتصار الفقراء على الطبقة الفاسدة الحاكمة دون انهيار البلد وضربه في صميم أهم ركائز وجوده (الوحدة الوطنية). ويمكن تجسيد هذا الصراع العمودي، الذي توجد بذوره فعلا في الحيف والغبن والزبونية الممارس ضد كل طبقات المجتمع، وإن تفاوتت حسب قربها وعلاقاتها مع مراكز القوى المذكورة أعلاه، في حراك نوعي مسؤول وسلمي يمثل الجميع، ولا يكل أي شريحة مظلومة إلى نفسها حتى لا تشعر بتقصير الآخرين اتجاهها، أو تنفرد بها ديناصورات السلطة الفاسدة فتغري من يمكن اغراؤه وتخيف من يمكن تخويفه، وتشوه الباقي بوصفه عنصريا أو مخربا أو خارجا على القانون، كما بدأ يطبل أقلام الظل من ذوي الخلفيات الطبيقة المألوفة أو ذوي الأطماع التليدة! العسكرة الفاشلة إن من حلو القدر أن تدور أحداث ازويرات في ولاية يقودها أحد الجنرالات الجدد وكأنها رسالة مصغرة لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في كل البلد في ظل قيادة الجنرال "الأكبر"، وذلك برهان آخر على كلام بديهي كثر تكراره وهو أن العسكريين درسوا وتدربوا وكونوا لمهام أخرى غير السياسة وجمع المال (الكلام هنا عن العسكريين المكونين فعلا تكوينا عسكريا لا عن الصدف والوساطات). إن ما حدث في ازويرات يمكن أن يحدث في انواكشوط في أي لحظة ـ بل أتوقع أن يحدث ما لم يتغير الحال ـ وستكون حينها الخسائر أكبر بكثير والحل أبعد. إن انفلات الأمن وحرق رموز السلطة ليس بالعمل العفوي الذي يصدر عن شعب مسالم صبر على الظلم والغبن عقودا طويلا، وإن هذه الجماهير المجوًعة المجهًلة إذا انطلقت من عقالها لا يمكن التبؤ بالمكان الذي ستصل إليه ولا بالنتائج المترتبة على ذلك. إن التضحية بثلة قليلة جدا من مصاصي الدماء ممن أثروا ثراء لم يكونوا يحلمون به أسهل من التضحية بوطن كامل، وتخلي سواد الشعب عن هذه الثلة أقرب إلى الحكمة والانصاف من السكوت على الظلم أو الانحياز للظالم. وإن التماهي مع الطبقة الحاكمة وتقديمها بوصفها صمام أمان الوطن أو الممثل الحصرى لطبقة بعينها خديعة كبرى ستنكشف قريبا وسيكتوي الجميع بنار الرضوخ لها أو التهاون معها. وإن الحق أحق أن يتبع وآن للقيد أن ينكسر!